responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير ابن كثير - ط العلمية نویسنده : ابن كثير    جلد : 7  صفحه : 178
يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ أَيْ يَخْلُقُكُمْ فِيهِ أَيْ فِي ذَلِكَ الْخَلْقِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ لَا يَزَالُ يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ ذُكُورًا وَإِنَاثًا خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ وَجِيلًا بَعْدَ جِيلٍ وَنَسْلًا بَعْدَ نَسْلٍ مِنَ النَّاسِ وَالْأَنْعَامِ وَقَالَ الْبَغَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ أَيْ فِي الرَّحِمِ وَقِيلَ فِي الْبَطْنِ وَقِيلَ فِي هَذَا الْوَجْهِ مِنَ الْخِلْقَةِ. قال مجاهد نسلا مِنَ النَّاسِ وَالْأَنْعَامِ، وَقِيلَ فِي بِمَعْنَى الْبَاءِ أَيْ يَذْرَؤُكُمْ بِهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ أَيْ لَيْسَ كَخَالِقِ الْأَزْوَاجِ كُلِّهَا شَيْءٌ لِأَنَّهُ الْفَرْدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَا نَظِيرَ لَهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ.
وقوله تعالى: لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ فِي سُورَةِ الزُّمَرِ وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّهُ الْمُتَصَرِّفُ الْحَاكِمُ فِيهِمَا يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ أَيْ يُوَسِّعُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَيُضَيِّقُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَلَهُ الْحِكْمَةُ والعدل التام إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.

[سورة الشورى (42) : الآيات 13 الى 14]
شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13) وَما تَفَرَّقُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (14)
يَقُولُ تَعَالَى لِهَذِهِ الْأُمَّةِ: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ فَذَكَرَ أول الرسل بعد آدم عليه السلام وهو نوح عليه السلام وآخرهم مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ بَيْنِ ذَلِكَ مِنْ أُولِي الْعَزْمِ وَهُمْ إِبْرَاهِيمُ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ وَهَذِهِ الْآيَةُ انْتَظَمَتْ ذِكْرَ الْخَمْسَةِ كَمَا اشْتَمَلَتْ آية الأحزاب عليهم في قوله تبارك وتعالى: وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ [الْأَحْزَابِ: 7] الآية وَالدِّينُ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ كُلُّهُمْ هُوَ عِبَادَةُ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ كَمَا قال عز وجل: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الْأَنْبِيَاءِ: 25] . وَفِي الْحَدِيثِ «نَحْنُ مَعْشَرَ الْأَنْبِيَاءِ أَوْلَادُ عَلَّاتٍ دِينُنَا وَاحِدٌ» [1] أَيِ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهُمْ هُوَ عِبَادَةُ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَإِنْ اختلفت شرائعهم ومناهجهم كقوله جل جلاله: لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً [الْمَائِدَةِ: 48] وَلِهَذَا قال تعالى هَاهُنَا: أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ أي وصى الله تعالى جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بِالِائْتِلَافِ وَالْجَمَاعَةِ. وَنَهَاهُمْ عَنِ الِافْتِرَاقِ وَالِاخْتِلَافِ.
وَقَوْلُهُ عز وجل: كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ أَيْ شَقَّ عَلَيْهِمْ وَأَنْكَرُوا مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ يَا محمد من التوحيد. ثم قال جل جلاله: اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ أَيْ هُوَ الَّذِي يُقَدِّرُ الْهِدَايَةَ لِمَنْ يَسْتَحِقُّهَا وَيَكْتُبُ الضَّلَالَةَ عَلَى مَنْ آثَرَهَا على طريق الرشد، ولهذا

[1] أخرجه البخاري في الأنبياء باب 48، ومسلم في الفضائل حديث 143، 144، وأبو داود في السنّة باب 13.
نام کتاب : تفسير ابن كثير - ط العلمية نویسنده : ابن كثير    جلد : 7  صفحه : 178
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست